هل استعجل خصوم "حزب الله" في التخطيط لصناعة مشهد سياسي لبناني من دون الحزب؟ تبدو مؤشرات الخارج تطل في هذا الإتجاه: عواصم غربية، في مقدمها واشنطن وباريس، دفعت بإتجاه انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان تحت النار، لا يهادن "حزب الله" ويُشرف على رسم خريطة سياسية جديدة مغايرة ل​سياسة​ الحزب وحلفائه. اما العواصم العربية فنأت بنفسها، واظهرت انها لا تريد ان تدخل في صراعات اقليمية، وابلغت طهران اساساً انها لن تكون قاعدة ولا منطلقاً لأي هجوم محتمل على ايران، او مشاكسة لسياسة الجمهورية الإسلامية وحلفائها.

اظهرت كل من قطر والإمارات اندفاعة نحو مؤازرة لبنان، وحاولت السعودية إظهار حُسن النيّة، لكنّ الوسائل الإعلامية التابعة للرياض مارست تحريضاً على "حزب الله" منذ بداية الهجوم الاسرائيلي عليه.

انقسمت القوى السياسية اللبنانية بين من يعتبر الهجوم الإسرائيلي على الحزب، وخصوصاً بعد اغتيال امينه العام السيد حسن نصرالله، فرصة لنسف كل طروحاته السياسية وترشيحاته الرئاسية، وبين من يسعى للإستمهال ومداراة حزب نال حوالي 375 الف صوت في الانتخابات النيابية الماضية. كيف يُمكن إبعاد هؤلاء عن المشهد السياسي اللبناني؟ خصوصاً انهم وحلفاؤهم يتمثّلون في المجلس النيابي بحوالي 55 صوتاً، لا يمكن من دونهم عقد جلسة نيابية انتخابية تحتاج إلى ثلثي عدد المجلس النواب اي 86 صوتاً للإنعقاد، وذاتهم لإنتخاب رئيس للجمهورية. وهو رقم لا تملكه لا المعارضة ولا مشاكسي "حزب الله".

واذا كان هناك من اعترض على مبدأ الثلثين لعقد الجلسة او الانتخاب بالنصف زائد واحد، فإن شرط الثلثين هو ضمانة للمسيحيين الذين سيخسرون تلك الضمانة في حال تحالفت القوى السياسية في البيئة الإسلامية، اي 64 صوتاً مع نائب مسيحي واحد وانتخبته رئيساً للجمهورية، الآن او في المراحل المقبلة.

بجميع الاحوال، تحرّك رئيس المجلس النيابي نبيه برّي ولوّح بالذهاب إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية من دون شروط، على قاعدة التوافق، وأيّده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. لكنّ مشهد اجتماع الثلاثي استفزّ القوى السياسية المسيحية، بإعتبار الخطوة توحي بأنها إقصاء للمسيحيين، لكن الثلاثي حاول استيعاب الإنزعاج السياسي المسيحي بزيارة ميقاتي إلى بكركي، ثم عقد بري لقاءات مع شخصيات سياسية مسيحية ابرزها رئيس التيار "الوطني الحر" النائب جبران باسيل، الذي أطلق مواقف مهمة بشأن رئاسة الجمهورية، وتحمل مؤشرات واضحة: هل تتخيّلون وصول رئيس او نجاحه اذا كان قسم كبير من اللبنانيين ضده؟"

سؤال باسيل يعني الاّ قبول برئيس يُفرض بقوة النار، كما تحاول عواصم غربية او قوى سياسية داخلية ان تفعل حالياً، وهو قال اساساً: "لا يمكن استغلال وضع عسكري خارجي لفرض رئيس، ولو تصرف أحد بهذا الشكل معنا سابقاً".

على هذا الاساس، بات موقف باسيل اقرب إلى الثلاثي: بري وميقاتي وجنبلاط. يستطيعون ان يؤمّنوا مع حلفائهم 86 نائباً لانتخاب رئيس توافقي. لكن يبدو ان هذا الرباعي الجديد يفكّر في ضم قوى سياسية أخرى إلى طرحه الرئاسي. فهل ينضم حزب "القوات"؟

اوحى بيان معراب ان حسابات رئيس الحزب سمير جعجع في مكان آخر، بدليل انتقاده الطرح واعتباره "مسرحيات تذاكي"، لكن ماذا إذا اتفق الرباعي المذكور مع نواب آخرين على دعم مرشح لا يقبل به جعجع؟

يبدو الأمر وارداً جداً في حال عدم التوصل إلى اتفاق جامع حول اسم الرئيس العتيد.

يتمّ طرح اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون الذي يتمتع بسيرة ومسيرة جيدة على رأس المؤسسة العسكرية، لكن رفض باسيل و "حزب الله" لوصوله يفرمل الاندفاعة الدولية لإنتخابه التي تنطلق اساساً من اعتباره الرئيس القادر على تنفيذ القرار الدولي 1701 ونشر الجيش اللبناني في الجنوب.

وفي حال فشلت القوى السياسية اللبنانية في الوصول إلى اتفاق جامع، ستكون العواصم الضاغطة امام احد مسارين: انتخاب رئيس يرشّحه الحلف الرباعي وحلفاؤه. أو بقاء الفراغ الرئاسي ريثما تنجلي غبار الحرب، وعندها سيفرز الميدان وقائع سياسية ايضاً في الداخل.